Duration 9:47

02 أسرار البلاغة / الاستعارة وتقسيمها إلى مفيدة وغير مفيدة 新加坡

450 watched
0
15
Published 26 Jan 2022

الاستعارة». [تعريف الاستعارة] اعلم أن «الاستعارة» في الجملة أن يكون للّفظ أصل في الوضع اللغوي معروف تدلّ الشواهد على أنه اختصّ به حين وضع، ثم يستعمله الشاعر أو غير الشاعر في غير ذلك الأصل، وينقله إليه نقلا غير لازم، فيكون هناك كالعارية. [تقسيم الاستعارة] ثم إنها تنقسم أوّلا قسمين: أحدهما: أن يكون لنقله فائدة. والثاني: أن لا يكون له فائدة، وأنا أبدأ بذكر غير المفيد، فإنه قصير الباع، قليل الاتساع، ثم أتكلم على المفيد الذي هو المقصود. وموضع هذا الذي لا يفيد نقله، حيث يكون اختصاص الاسم بما وضع له من طريق أريد به التوسّع في أوضاع اللغة، والتنوّق (1) في مراعاة دقائق في الفروق في المعاني المدلول عليها، كوضعهم للعضو الواحد أسامي كثيرة بحسب اختلاف أجناس الحيوان، نحو وضع «الشفة» للإنسان و «المشفر» للبعير و «الجحفلة» للفرس، وما شاكل ذلك من فروق ربما وجدت في غير لغة العرب وربما لم توجد، فإذا استعمل الشاعر شيئا منها في غير الجنس الذي وضع له، فقد استعاره منه ونقله عن أصله وجاز به موضعه، كقول العجّاج: [من الرجز] وفاحما، ومرسنا مسرّجا (2) يعني أنفا يبرق كالسّراج، و «المرسن» في الأصل للحيوان، لأنه الموضتسمع للماء كصوت المسحل … بين وريديها وبين الجحفل (1) وقال آخر: [من الرجز] والحشو من حفّانها كالحنظل (2) فأجرى «الحفّان» على صغار الإبل، وهو موضوع لصغار النعام، وقال الآخر: [من المتقارب] فبتنا جلوسا لدى مهرنا … ننزّع من شفتيه الصّفارا (3) فاستعمل «الشفة» في الفرس، وهي موضوعة للإنسان. فهذا ونحوه لا يفيدك شيئا، لو لزمت الأصليّ لم يحصل لك، فلا فرق من جهة المعنى بين قوله «من شفتيه» وقوله «من جحفلتيه» لو قاله، إنما يعطيك كلا الاسمين العضو المعلوم فحسب، بل الاستعارة هاهنا بأن تنقصك جزءا من الفائدة أشبه، وذلك أنّ الاسم في هذا النحو، إذا نفيت عن نفسك دخول الاشتراك عليه بالاستعارة، دلّ ذكره على العضو وما هو منه، فإذا قلت «الشفة» دلّ على الإنسان، أعني يدلّ على أنك قصدت هذا العضو من الإنسان دون غيره، فإذا توهمت جري الاستعارة في الاسم، زالت عنها هذه الدلالة بانقلاب اختصاصها إلى الاشتراك. فإذا قلت «الشفة» في موضع قد جرى فيه ذكر الإنسان والفرس، دخل على السامع بعض الشبهة، لتجويزه أن تكون استعرت الاسم للفرس، ولو فرضنا أن تعدم هذه الاستعارة من أصلها وتحظر، لما كان لهذه الشبهة طريق على المخاطب، فاعرفه. وأمّا «المفيد» فقد بان لك باستعارته فائدة ومعنى من المعاني وغرض من الأغراض، لولا مكان تلك الاستعارة لم يحصل لك. وجملة تلك الفائدة وذلك الغرض «التشبيه»، إلا أنّ طرقه تختلف حتى تفوت النهاية، ومذاهبه تتشعب حتى لا غاية، ولا يمكن الانفصال (4) منه إلا بفصول جمّة، وقسمة بعد قسمة. وأنا أرى أن (1) لأبي النجم العجلي في ديوانه، وفي الطرائف الأدبية للراجكوتي- رحمه الله- في لاميته المشهورة. والمسحل: حمار الوحش، سمّي باسم سحيله وهو صوت نهاقه. (2) الرجز من لامية أبي النجم في صفة الإبل أيضا، وحشو الإبل وحاشيتها صغارها. (3) البيت من شعر أبي دؤاد الإيادي يصف فرسا في ديوانه، وفي الأصمعيات رقم: 66، وفي المعاني الكبير لابن قتيبة. والصّفار: بفتح الصاد، وهو يبيس البهمى، وهو من أحرار البقول ترعاه الإبل، ويخرج لها إذا يبست شوك، إذا وقع في أنوف الإبل والخيل والغنم أنفت منه حتى ينزعه الناس من أفواهها وأنوفها. (4) وفي نسخة: الانتصاف، بدل الانفصال. أقتصر الآن على إشارة تعرّف صورته على الجملة بقدر ما تراه، وقد قابل خلافه الذي هو «غير المفيد»، فيتمّ تصوّرك للغرض والمراد، فإن الأشياء تزداد بيانا بالأضداد. ومثاله قولنا: «رأيت أسدا»، وأنت تعني رجلا شجاعا، و «بحرا»، تريد رجلا جوادا و «بدرا» و «شمسا»، تريد إنسانا مضيء الوجه متهلّلا و «سللت سيفا على العدوّ» تريد رجلا ماضيا في نصرتك، أو رأيا نافذا وما شاكل ذلك، فقد استعرت اسم الأسد للرجل، ومعلوم أنك أفدت بهذه الاستعارة ما لولاها لم يحصل لك، وهو المبالغة في وصف المقصود بالشجاعة، وإيقاعك منه في نفس السامع صورة الأسد في بطشه وإقدامه وبأسه وشدّته، وسائر المعاني المركوزة في طبيعته، مما يعود إلى الجرأة. وهكذا أفدت باستعارة «البحر» سعته في الجود وفيض الكفّ، و «بالشمس والبدر» ما لهما من الجمال والبهاء والحسن المالئ للعيون الباهر للنواظر. وإذ قد عرفت المثال في كون الاستعارة مفيدة على الجملة، وتبيّن لك مخالفة هذا الضرب للضرب الأوّل الذي هو «غير المفيد»، فإني أذكر بقية قول مما يتعلق به، أعني بغير المفيد، ثم أعطف على أقسام المفيد وأنواعه، وما يتصل به ويدخل في جملته من فنون القول بتوفيق الله عز وجل. وأسأله عز اسمه المعونة، وأبرأ إليه من الحول والقوة، وأرغب إليه في أن يجعل كل ما نتصرّف فيه منصرفا إلى ما يتصل برضاه (1)، ومصروفا عمّا يؤدّي إلى سخطه. ع الذي يقع عليه «الرسن» وقال آخر: يصف إبلا: [من الرجز] (1) التنوق: تنوّق في الأمر أي: تأنّق فيه، وبعضهم لا يقول: تنوّق والاسم منه: النيقة، وفي المثل: خرقاء ذات نيقة، يضرب للجاهل بالأمر، وهو مع جهله يدّعي المعرفة ويتأنق في الإرادة. ذكره أبو عبيد. ابن سيدة: تنوق في أموره: تجوّد وبالغ مثل تأنّق فيها. (2) في ديوانه، وقوله هذا معطوف على ما قبله، يذكر صاحبته ليلى. والفاحم: شعرها الأسود.

Category

Show more

Comments - 2